مثل كل القطاعات والصناعات في العالم والتي تتغير بشكل مستمر، نلمس كل يوم التطورات والتغيرات التي تطرأ على مجال التعليم. لذلك، ينبغي على المتعلمين أينما كانوا مواكبة تغيرات وتوجهات التعليم ليحظوا بأفضل الطرق والوسائل التي تناسبهم. سنستعرض في هذا المقال بعض التغيرات التي لحقت بمجال التعليم، والتوجهات التعليمية التي نتجت عن ذلك.
غيّرت جائحة كوفيد-19 مجرى العالم، بما في ذلك الطريقة التي نتعلم بها. ورغم الوقت المرير الذي عانى منه الإنسان جراء هذه الجائحة، إلا أن العالم أثبت كفاءته في التكيّف. وتوجه العالم لبعض الطرق الجديدة التي يمكن أن تجعل التعليم سلسًا ومرنًا سواء للمتعلمين أو للمعلّمين.
التعليم الافتراضي
أصبحت الحصص المدرسية والمحاضرات الجامعية خلال الجائحة تُعرَض عبر الإنترنت. وقد خلقت هذا الأسلوب التعليمي الحديث جوًا من التحدي والصعوبات أمام المعلمين ليخططوا لفصولهم بشكل يتوائم مع كونه افتراضي وعبر الإنترنت. لكن تلك الطريقة الاضطرارية للتعليم أصبحت ملاذًا مطلع هذا العام، ومن المتوقع أن تصبح العديد من المدارس والجامعات إلكترونية بنسبة 100%، ومن المتوقع أن تبلغ صناعة منصات التعلم عبر الإنترنت 319 مليار دولار مع تزايد إدراك الناس بفوائدها العديدة، بما في ذلك كثافة المحتوى المعروض، وسهولة العرض، والمرونة، وغيرها الكثير. أي بكل بساطة، أصبح التعليم متاحًا بسهولة لأي شخص من أي مكان في العالم. كما أن العديد من مصادر التعليم تلك تم إعدادها على يد خبراء في التعليم ومعلمين من أفضل الجامعات عالميًا. إضافةً إلى ذلك، الكثير من تلك المصادر مجانية أو ذات أسعار معقولة في متناول نسبة كبيرة من الناس. على سبيل المثال، تتوفر الآن منصات رائعة للتعليم عبر الإنترنت مثل كورسيرا، يوديمي، أكاديمية جوجل، وماستر كلاس، وهاب سبوت، وenglease، وغيرها الكثير.
كما يتوفر الآن برامج تدريبية ومنح تعليمية إلكترونية، حيث يمكنك الاشتراك في برنامج معد خصيصًا لتكتسب مجموعة من المهارات الهامة لأداء وظيفة ما. قد تكون هذه المهارات تقنية، أو مهارات متعلقة بالشخصية، أو المهارات الصلبة أو الناعمة، وغيرها. حقيقةً، يتزايد عدد الأشخاص الراغبين في الالتحاق بدورات أو تدريبات مماثلة ليخففوا من عبء الوقت أو التكاليف المالية الذي تتطلبه الجامعة أو المعاهد الدراسية.
ويمكن أن ينقسم التعليم الافتراضي إلى تعليم متزامن وغير متزامن:
التعليم المتزامن هو يفرض على الطالب أو المتعلم تواجده خلال وقت المحاضرة أو الفصل الدراسي عبر الإنترنت، ويستطيع الطلاب والمعلمين التحاور خلاله كما في الفصل الحقيقي. ويتسم التعليم المتزامن بنسبة جيدة من المرونة، ويمكن للمتعلمين والمعلمين استخدام منصات التواصل مثل زوم أو اجتماعات جوجل، وغيرها. أمّا التعليم غير المتزامن لا يتطلب تواجد المتعلم في وقت عرض الحصة، حيث يستطيع حضور الحصة أو المحاضرة المسجلة مسبقًا في أي وقت مناسب له. وإذا كانت لديه أي تعليقات أو أسئلة، يمكنه إرسالها إلى المحاضر أو المدرب عبر الإيميل، أو مجموعة الدردشة، أو أي وسيلة للتواصل تم الاتفاق عليها مسبقًا. وهذا النوع من التعليم يشكل أحيانًا تحدي لكثير من المعلمين، حيث ينبغي تحضير الحصة بحيث تكون مثالية وممتعة وتراعي عدم تواجد الطلاب ليقدموا تفاعلاتهم الحقيقية خلال الدرس.
التعليم الغامر (Immersive Learning)
نظرًا لأن واقع التعليم الجديد اتخذ منحىً جديدًا، أصبح لا بد من دمج العديد من وسائل التعليم التقنية والذكية خلال عملية التعلم لضمان اندماج الطالب كليًا في العملية التعليمية وامتصاصه للمادة المعروضة، مع تقليل تأثير أي مشتتات داخلية أو خارجية عليه. الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) هما مصطلحان ليسا غريبين علينا، حيث تعرفنا عليهم في عالم الألعاب والفيديو. لكنهما اتجاهان ناشئان في عالم التعليم، ويمثلان قفزة نوعية بين المعلمين والطلاب. خلال هذا النوع الجريء من التعلم، ينغمس الطلاب في تجربة تعليمية فريدة، ويكونون جزءًا من بيئة افتراضية تحاكي الصف أو المكان الذي عليهم التواجد فيه. حتى أن العديد من الشركات أصبحت تستخدم تقنيات التعلم الغامر لتدريب الموظفين على امتلاك مهارات معينة، أو التعامل مع مواقف افتراضية. كما أن العديد من الكليات الطبية بدأت باستخدام تقنيات مشابهة في استعراض بعض الدروس العملية مثل علم التشريح. حيث يُسمح للطلاب بتحريك نماذج الأجزاء البشرية الحقيقية باستخدام شاشة، وتسمح هذه الشاشة المرئية بالتكبير للتركيز على مزيد من التفاصيل، بدلًا من الكتاب المدرسي ثنائي الأبعاد الممل. إذًا حاضر ومستقبل التعليم يتجه نحو استخدام مزيد من التقنيات الذكية لمساعدة الطلاب أو المتعلمين على الاندماج في بيئة تعليمية تشبه إلى حد كبير الحقيقية، وهدفهم المشاركة الفعلية في عملية اكتساب المهارات، وليس الاعتماد فقط على النظريات والسرديات وحفظ المعلومات.
التعليم المصغر (Microlearning)
ما زال خبراء التعليم يقدمون توجهات جديدة في مجال التعليم. تلك الجائحة، رغم ما سببته من ألم وإنهاك للعالم، إلا أنها أثبتت كفاءة العديد من المميزين وأظهرت أفكار إبداعية في مجالات متنوعة. رغم أنه ما زال هناك مناصرين لطرق التعليم التقليدية ويعتبرونها أكثر تفاعلًا واندماجًا، إلا أن العديد من الأشخاص يعتبرون التعليم التقليدي والجلوس لمدة ساعتين لحضور درس ما شيء يبعث على الملل ويقلل الاستيعاب وبالتالي الإنتاجية. لذلك معارضي المدرسة التقليدية، قاموا بإنتاج وسيلة جديدة للتعلم وهي التعلم المصغر بحيث يتم تقسيم الدروس الكبيرة والموسعة إلى قطع صغيرة يتم قراءتها في جلسة واحدة، ربما خلال المواصلات أو قبل تناول الغداء. هذه القطع التعليمية أو الدروس أو المقالات أو الفيديوهات المصغرة تعتبر فعّالة حيث تستطيع الحصول على معلومات مكثفة وامتصاصها بسهولة خلال وقت قصير، وهذا يشجعك على حضور المزيد منها والاستفادة بشكل أكبر. ومن مميزات التعليم المصغر، أنه بعد تقسيم الدروس إلى أجزاء أصغر وقابلة للهضم بشكل أسرع، يتم إعادة دمج العديد من المعلومات الهامة والتي ينبغي تكرارها لضمان اكتسابها في كثير من الدروس بطريقة خلّاقة وذكية. وبالتالي، يمكنك الحصول على فهم مثالي للنظريات، والمفاهيم الجديدة، واكتساب المهارات التي ستساعدك في أي مكان تقوده إليك حياتك المهنية.
يمكن للتعليم أن يتحقق من خلال أي شيء
نعم، قد يتحقق التعليم من خلال أي شيء حرفيًا. يتجه العالم نحو هذه الفكرة، وهي التملص من رتابة التعليم والكتب والموسوعات الضخمة، وساعات المحاضرات المكثفة، ودور المتلقي فقط خلال الحصص التعليمية. يمكنك الحصول على نصيحة تعليمية أو توجيه قد يغير حياتك المهنية للأبد من خلال محادثة ثرية مع زميل أو مع قائد فريق أو مدير خلال أحد الندوات التعليمية أو لقاءات التشبيك. المهم، أن لا تقتصر على الطرق التقليدية، أو حتى على التوجهات الأخيرة فقط. العالم يتطور، وكذلك أساليب التعليم. المثير أن التعلم لم يعد مقتصرًا على فئة معينة ممن يثبتون قدرتهم على تحصيل الدرجات واجتياز الامتحانات فقط، بل أصبح التعليم في 2022 للجميع. ومن أهم ما يجب أن يتذكره الناس في جميع أنحاء العالم هو ألا يتوقفوا عن التعلم أبدًا، وألا يتوقفوا عن السعي لتحقيق النمو والتطور.
كتابة: هَيا أحمد
محرر، englease