الشهادات العلمية والخبرة العملية في الميزان: من في الكفة الراجحة؟

يعد النقاش بشأن تفضيل أصحاب العمل والشركات المتنافسين على الوظائف من الحاصلين على الشهادات العلمية أم أولئك الذين يتمتعون بالخبرات المكتسبة نقاشًا قديمًا، أي منذ أن أصبح التعليم الرسمي معترف به في العالم. يرى البعض أنه لا يمكن توظيف أحدهم دون شهادة تثبت إتمام درجة علمية معينة، والبعض الآخر يرى أن الخبرة كافية لأنها تعني أن الموظف يستطيع القيام بمهامه بالطريقة الصحيحة، وهذا هو جوهر العمل. وما زال هذا النقاش حتى الآن غير محسومًا. سنستعرض في هذا المقال مميزات كلا من الحصول على درجة علمية، واكتساب الخبرة المطلوبة لعمل ما، وما إذا كان أصحاب العمل يفضلون الحصول على الشهادات العلمية مقابل الخبرة أو العكس. وسنتطرق لبعض التوجهات الجديدة في عالم الأعمال مؤخرًا. 

مميزات الحصول على الشهادات العلمية

غالبًا ما يكون الحصول على شهادة جامعية هو الحد الأدنى من المتطلبات للعديد من الوظائف، حيث أنها خطوة جوهرية في بداية الحياة المهنية. كما أن تحقيق درجة علمية يعني حصولك على معلومات أساسية عن المجال الذي تود التخصص فيه، وهو اللبنة الأولى التي ستقودك إلى تطوير المهارات الفنية الرئيسية. ومع أن الحصول على شهادة جامعية لا يضمن التوظيف، إلا أن معدلات البطالة ضمن الأشخاص الحاصلين على شهادة جامعية يعد أقل. وفقًا لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي بلغ معدل البطالة عند الأشخاص الحاصلين على درجة البكالوريوس 2%، بينما لدى الأشخاص الحاصلين على شهادات ثانوية عامة فقط 3.8%. وهذا ينطبق أيضًا على الحاصلين على درجات علمية أعلى، حيث أن نسبة البطالة لديهم أقل، ويحققون دخلًا أعلى.  إضافة إلى ذلك، من فوائد الحصول على شهادة جامعية هو اكتساب معرفة متخصصة ومتعمقة في مجالك، وهذا سيساعدك على تطوير المهارات التي تحتاجها لبدء وظيفتك الأولى مع حاجتك للقليل من التدريب العملي وستمضي قدمًا في حياتك المهنية وستكون على دراية بكيفية مواكبة أحدث التطورات في مجالك. في كثير من الأحيان، تتطلب العديد من برامج الجامعات والدرجات العلمية إكمال مجموعة من الدورات وإجراء الأبحاث، مما يساعدك على التعرف على بعض المجالات الأخرى المرتبطة بمجال دراستك، وبذلك تستطيع تحديد المهارات التي تحتاج تطويرها، و ستتمكن من اختيار المسار الوظيفي المناسب لك. كما يعتبر الكثير من أرباب العمل والأشخاص المشجعين للحصول على درجة علمية أن إتمام درجة البكالوريوس على الأقل استثمار ذو عائد مضمون، حيث أنه وفقًا لمكتب إحصاءات العمل، فإن الدخل الأسبوعي للأشخاص الحاصلين على درجة البكالوريوس يصل إلى 1248 دولار، بينما الأشخاص الحاصلون على شهادة الثانوية العامة فقط يصل دخلهم الأسبوعي إلى 746 دولار. 

مميزات اكتساب الخبرة

يتيح لك العمل على اكتساب خبرة بدلًا من السعي للحصول على درجة جامعية بدء العمل على الفور. فبعض أنواع الوظائف مثل وظائف المبيعات والوظائف الحرفية تفضل الأشخاص ذوي الخبرة، فيمكنك مباشرة العمل، واكتساب المهارات اللازمة أثناء العمل، وتطوير قدرتك على التعامل الفعلي مع المشكلات والتحديات الواقعية. وستتعلم كل تفاصيل وتعقيدات المهنة على الفور، وستطور المهارات اللازمة، وستكون قادرًا على الارتقاء في وظيفتك كلما اهتممت بالتدريب أكثر وتعزيز العلاقات. كما أن عملك في وظيفة ما هو ما سيعرضك لمواقف حياتية يومية ومشاكل حقيقية وستكتسب عن طريقه المرونة ومهارات حل المشاكل وإدارتها، وبذلك سيتم الاعتراف بك كأحد المحترفين في مهنة ما، وهذا يعني قدرتك على كسب وظائف أفضل في المستقبل. كما أن العمل في بيئة جيدة سيمكّنك من اكتساب بعض المهارات التحليلية وتطوير التفكير النقدي، مما يصب في مصلحتك نحو تسلّق السلّم الوظيفي. فالكثير من أرباب العمل يفضلون الأشخاص الذين لديهم خبرة حقيقية مثبتة، واستطاعوا السيطرة على الكثير من التحديات والصعوبات في العمل، وعلى دراية كاملة بمنحنيات وتفاصيل المهنة، ولا يفضلون إنفاق المزيد من الأموال على تدريب أشخاص آخرين ما زالوا بحاجة لصقل مهاراتهم والتدريب على ثنايا المهنة بعد. 

هل يفضل أرباب العمل الشهادات العلمية أم الخبرة العملية؟ 

تعتمد إجابة هذا السؤال على مجال العمل الذي تقدم له. غالبًا ما يفضل أصحاب العمل الخبرة في الوظائف المهنية والتجارية. على عكس ذلك، لدى العديد من الشركات سياسات صارمة تتطلب درجة البكالوريوس كحد أدنى لتوظيف المرشحين. وبعض الشركات تغض الطرف عن هذا الشرط إذا كان لدى المرشحين خبرة ذات صلة.

ما ننصحك به أنك لو اخترت مسار التعليم، ففكر في الحصول على تدريب مهني في مجالك، أو احصل على خبرة عمل بدوام جزئي لأنك ستكتسب مهارات مهمة تجعلك من أقوى المرشحين للوظائف في المستقبل. وإذا فكرت في اختيار الخبرة في المجالات المهنية، اهتم بالحصول على بعض الدورات التدريبية والشهادات التي تثبت امتلاكك لخبرة ما، فهذا يزيد من نسبة الأمان والاستقرار لديك، ويزيد من نسبة حصولك على وظائف أفضل حيث غالبًا ما يبحث أصحاب العمل عن مرشحين يجمعون بين الخبرة والتعليم. 

كما باتت بعض الشركات مؤخرًا لا تشترط شهادة عليا من المؤسسات المرموقة لمباشرة أحدهم العمل، بل تكتفي بشهادة أن شخص ما يستطيع القيام بعمل معين أو بمجموعة من المهام المحددة. وغالبًا ما تكون هذه الشهادات في المجال التقني، ومجالات الأمن السيبراني، والبيانات الضخمة، والسلامة الصحية. كما يوجد العديد من المبادرات والتدريبات المعنية بتدريب الأشخاص على امتلاك مجموعة من المهارات اللازمة لإتمام وظائف معينة، والمنافسة في سوق العمل. على سبيل المثال، أطلقت مصر مبادرة Egypt FWD وهو عبارة عن برنامج منحة دراسية لمدة 18 شهر، ويوفر ل 200,000 شاب مصري عبر منصة Udacity تجربة تعليمية وعملية متكاملة لتعلّم واكتساب المهارات التقنية والرقمية للمنافسة في سوق العمل العالمي والمحلي. وبالتأكيد، سيكون هناك مساحة لمزيد من المبادرات والبرامج المماثلة في مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا. 

كما أصبح نظام العمل الحر والعمل بالنظام الجزئي رائجًا هذه الأيام، حيث يستطيع الشخص العمل ضمن مشروع ما لفترة زمنية محددة ويأخذ مقابلها أجرًا متفق عليه بينه وبين صاحب العمل. ويمكن لصاحب العمل كتابة ملاحظات عن من قام بالعمل على شكل إشادات حيث يراها أصحاب الأعمال الأخرى، ممن قد يطلبون خدمات مشابهة في المستقبل. الكثير من المنصات الممتازة تتبع هذا النظام، حيث يستطيع الشخص إتقان مهارة ما والترويج لنفسه عبر ملف جيد، وأعمال سابقة، وملاحظات إيجابية من العملاء الحاليين. لكن، كما هو الحال في معظم منصات وأسواق العمل، تزداد المنافسة يومًا بعد يوم، لذلك، ننصحك بمتابعة آخر المستجدات في سوق العمل وفي المنصات الرائدة، وكن مواكبًا واحرص على تحقيق شروط الوظيفة التي تحلم بها، سواء الحصول على درجة علمية، أو شهادة تدريب معتمد، أو خبرة العمل في مكان ما، أو حتى الجمع بين أكثر من واحدة من هذه المتطلبات.