معالجة نقص المهارات: منظور عالمي وشرق أوسطي

July 2, 2024

Share this

مع تطور سوق العمل العالمية، أصبح فهم الاتجاهات والمهارات الرئيسية للقوى العاملة المستقبلية والتعامل معها أمراً بالغ الأهمية أكثر من أي وقت مضى.

في ظل المشهد الاقتصادي سريع التطور اليوم، أصبحت معالجة نقص المهارات أمراً بالغ الأهمية على مستوى العالم. إن التحدي المتمثل في تزويد القوى العاملة بالمهارات اللازمة لتلبية متطلبات الصناعات الحديثة متعدد الجوانب، ويتضمن إصلاحات تعليمية ودمجاً تكنولوجياً وبرامج تدريبية مبتكرة. 

تتوسع الفجوة بين المهارات التي يمتلكها العمال وتلك التي تحتاجها سوق العمل، ما يؤدي إلى زيادة البطالة والبطالة الجزئية. وتزداد حدة هذه المشكلة على نحو خاص بين الشباب الذين يدخلون سوق العمل دون المهارات اللازمة للنجاح. ومع سعي الاقتصادات في أنحاء العالم جميعها إلى التعافي من الاضطرابات العالمية الأخيرة، من الضروري تطوير استراتيجيات فعالة قادرة على معالجة هذا النقص في المهارات وتعزيز القدرة التنافسية للقوى العاملة.

سياق الشرق الأوسط

تعدّ منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، محوراً للنقاشات حول سوق العمل بسبب ديناميكيات القوى العاملة الفريدة. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة لمعالجة فجوة المهارات، لا تزال التحديات الحرجة قائمة، خاصة فيما يتعلق بنقص المهارات والعمالة والبطالة وتأثير التكنولوجيا عليها.

يعتبر التفاوت بين مهارات القوى العاملة واحتياجات الاقتصاد واحداً من أكثر القضايا إلحاحاً في سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي، فعلى الرغم من المستويات العالية للتحصيل التعليمي بين المواطنين، هناك فجوة كبيرة بين المهارات التي يمتلكها الباحثون عن العمل وتلك التي تحتاجها سوق العمل. هذه الفجوة في المهارات واضحة بصورة خاصة في قطاعات مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية والتصنيع المتقدم.

 ويتطلب التنويع الاقتصادي السريع في المنطقة، مدعوماً بمبادرات مثل رؤية السعودية 2030 والاستراتيجية الوطنية للابتكار في الإمارات العربية المتحدة، وجود قوى عاملة مجهزة بمهارات تقنية ورقمية متقدمة.

أزمة نقص المهارات العالمية

فجوة المهارات ليست ظاهرة جديدة، لكنها تفاقمت بسبب وتيرة التقدم التكنولوجي السريعة والطلب المتغير للاقتصاد العالمي. ووفقاً لمنظمة العمل الدولية (ILO)، من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة العالمي في عام 2024، بسبب التغيرات الاقتصادية وعدم توفر المهارات اللازمة. هنا تبرز الحاجة الملحة لاستراتيجيات تسد فجوة المهارات.

تؤكد مجموعة البنك الدولي أهمية تطوير المهارات باعتبارها عنصراً أساسياً للنمو الاقتصادي والقدرة التنافسية. وتؤكد أبحاث المنظمة على الحاجة إلى نهج شامل يجمع بين التعليم الرسمي والتدريب المهني وفرص التعلم المستمر لإعداد الأفراد لسوق العمل الديناميكية.

إن نقص العمالة الماهرة ليس محصوراً في منطقة أو صناعة واحدة، بل هو مشكلة شائعة تؤثر على مختلف القطاعات حول العالم، من التصنيع والبناء إلى التكنولوجيا والرعاية الصحية. وتشمل الأسباب الجذرية لهذا النقص التغيرات الديموغرافية، مثل شيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد؛ ما يقلل من القوى العاملة المتاحة، والتقدم التكنولوجي السريع الذي يفوق مستويات مهارات القوى العاملة الحالية، ويخلق فجوة بين مهاراتهم والمهارات التي تحتاجها سوق العمل.

الاتجاهات والمهارات المهمة التي تشكل القوى العاملة المستقبلية

مع تطور سوق العمل العالمية، أصبح فهم الاتجاهات والمهارات الرئيسية للقوى العاملة المستقبلية والتعامل معها أمراً بالغ الأهمية أكثر من أي وقت مضى. ويجب على كل من أصحاب العمل والموظفين التكيف مع هذه التغييرات للحفاظ على القدرة التنافسية والنجاح. وفي الشرق الأوسط، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، هناك حاجة ملحة لسد فجوة المهارات، وتعزيز الكفاءة التقنية، وتعزيز الصفات القيادية لتلبية متطلبات الاقتصاد سريع التنوع. 

فيما يلي بعض أهم الاتجاهات والمهارات التي تشكل القوى العاملة المستقبلية:

  • التفكير التحليلي والإبداعي: 

يسلط “تقرير مستقبل الوظائف 2023” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الضوء على أن التفكير التحليلي والتفكير الإبداعي ومهارات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة هي من بين المهارات المطلوبة التي من المتوقع أن تنمو حتى عام 2027. وتعد المهارات المعرفية، لا سيما التفكير التحليلي، بالغة الأهمية، يليها التفكير الإبداعي والمرونة والتعلم مدى الحياة.

  • الكفاءة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي: 

مع التقدم السريع للتكنولوجيا، تزداد الحاجة إلى المهارات في الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والمعرفة الرقمية. وتعطي الشركات الأولوية لهذه المهارات من أجل النمو والتدريب في المستقبل.

  • القيادة والتأثير الاجتماعي:

تكتسب مهارات القيادة والقدرة على التأثير والتعاون أهمية متزايدة، ما يعكس فهماً أوسع لقيمة السمات البشرية التي تعزز الابتكار والعمل الجماعي.

  • التدريب والتطوير المهني: 

سيحتاج جزء كبير من القوى العاملة إلى إعادة التأهيل المهني. ويؤكد تقرير التعلم في مكان العمل لعام 2024، الصادر عن لينكد إن، حاجة الشركات إلى الاستثمار في التعلم المستمر لبناء المهارات ذات الصلة. وقد اقتُرِح مفهوم مدراء التعلم (Chief Learning Officer) الذين يتحولون إلى رؤساء مهارات (Chief Skills Officer) لمواءمة مبادرات التعلم مع استراتيجيات الأعمال على نحو أكثر فعالية.

معالجة البطالة الجزئية

تعتبر البطالة الجزئية، وهي الوجه الخفي لأزمة التوظيف، مشكلة مهمة لا تمكن ملاحظتها في كثير من الأحيان. يتم توظيف العديد من الأفراد في أدوار لا تستغل مهاراتهم بشكل كامل أو لا توفر دخلاً كافياً. وهذا الوضع لا يضر بالأفراد فحسب، بل أيضا بالاقتصاد الأوسع نطاقاً، لأنه يمثل سوء توزيع للموارد البشرية.

وتشمل الحلول المبتكرة للبطالة الجزئية وضع ترتيبات عمل مرنة، وفرص اقتصاد العمل الحر، وتعزيز ريادة الأعمال، ويوفر هذا النهج مسارات بديلة للأفراد للاستفادة من مهاراتهم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

منظور الشرق الأوسط

تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديات فريدة في معالجة نقص المهارات، مع وجود عدد كبير من الشباب وارتفاع معدلات البطالة. فوفقاً لمؤسسة بروكنغز(Brookings Institution)، لا تزال بطالة الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) من بين أعلى المعدلات في العالم. تتفاقم هذه المشكلة بسبب عدم الاستقرار السياسي والتقلبات الاقتصادية، ما يعيق الجهود الرامية إلى خلق فرص عمل مستدامة.

في الشرق الأوسط، يعكس نقص المواهب التقنية الاتجاهات العالمية، لكنه يتأثر بالعوامل الإقليمية مثل التحول الرقمي السريع وجهود التنويع الاقتصادي، خاصة في دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. يتزايد الطلب على المهارات التقنية في المنطقة، مدفوعاً بمبادرات مثل رؤية السعودية 2030 ودفع الإمارات نحو اقتصاد قائم على المعرفة.

يشير تقرير من كورن فيري (Korn Ferry) إلى أن الشرق الأوسط قد يواجه نقصاً كبيراً في المواهب في السنوات القادمة إذا استمرت الاتجاهات الحالية. يتم التركيز على تطوير المهارات المحلية وجذب المواهب العالمية لتلبية متطلبات المشهد التقني المتطور. تشمل المجالات الرئيسية التركيز على الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، وتحليلات البيانات المتقدمة.

التحديات الرئيسية

1. عدم التوافق التعليمي: هناك فجوة كبيرة بين المهارات التي تُدرس في المؤسسات التعليمية وتلك المطلوبة في سوق العمل. غالباً ما تركز الأنظمة التعليمية التقليدية في المنطقة على المعرفة النظرية على حساب المهارات العملية، ما يترك الخريجين غير مستعدين لتلبية متطلبات الصناعات الحديثة.

2. التقلب الاقتصادي: التقلبات الاقتصادية المتكررة في المنطقة، والتي تقودها عوامل مثل تقلب أسعار النفط وعدم الاستقرار السياسي، تجعل من الصعب خلق بيئة مستقرة لتطوير المهارات والتوظيف.

3. الفئة الشابة: تضم المنطقة واحدة من أصغر الفئات العمرية في العالم. وبينما يمثل هذا فرصة ديموغرافية محتملة، فإنه يعني أيضاً أن هناك حاجة ملحة لخلق ملايين الوظائف لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.

استراتيجيات لمعالجة نقص المهارات

مواءمة التعليم مع احتياجات السوق: الإصلاحات التعليمية ضرورية لضمان توافق المناهج الدراسية مع احتياجات سوق العمل. يشمل ذلك دمج التدريب المهني، والتلمذة الصناعية، والمهارات الخاصة بالصناعة في البرامج التعليمية.

تعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM):  تشجيع الاهتمام بالعلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات من سن مبكرة يمكن أن يساعد في بناء قوى عاملة جاهزة للمستقبل. ويمكن للمبادرات التي تستهدف الفئات الأقل حضوراً في مجالات (STEM)، مثل النساء، أن تساعد أيضاً في معالجة فجوات التنوع في هذه المجالات.

تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص: يمكن أن تؤدي الشراكة بين الحكومات والمؤسسات التعليمية والشركات الخاصة إلى تطوير برامج تدريبية خاصة بالصناعة تضمن توفير مجموعة مستقرة من العمال المهرة، كما يمكن أن تساعد هذه الشراكات أيضاً في سد الفجوة بين التعليم النظري والمهارات العملية.

الاستثمار في التعلم مدى الحياة: يعد تعزيز ثقافة التعلم المستمر أمراً بالغ الأهمية، إضافة إلى أن البرامج التي توفر فرص إعادة صقل المهارات والارتقاء بها تساعد العمال في البقاء على اتصال بمجالاتهم والتكيف مع التغيرات التكنولوجية، وتوفر منصات التعلم عبر الإنترنت وبرامج التدريب الافتراضي فرصاً تعليمية مرنة يسهل الوصول إليها.

دعم ريادة الأعمال والابتكار: يؤدي تشجيع ريادة الأعمال إلى خلق فرص عمل جديدة ودفع عجلة النمو الاقتصادي، كما يساعد توفير الموارد والدعم للشركات الناشئة، خاصة في القطاعات القائمة على التكنولوجيا، في الاستفادة من الإمكانيات الابتكارية للشباب. كما تؤدي المبادرات مثل حاضنات الأعمال ومسرعات الأعمال دوراً حيوياً في هذا الصدد.

استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: من الضروري الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز التدريب وتنمية المهارات، إذ يمكن للأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي تحديد الفجوات في المهارات وتوفير مسارات تعلم مخصصة، في حين يمكن للمنصات الرقمية الوصول إلى جمهور أوسع، بما في ذلك أولئك الموجودون في المناطق النائية.

استراتيجيات إعادة التأهيل الفعالة

مسارات التعلم المخصصة: يسهم تصميم البرامج التدريبية بما يتناسب مع الاحتياجات الفردية والتطلعات المهنية في تحسين المشاركة والنتائج. كما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات لإنشاء هذه المسارات المخصصة.

الشهادات المصغرة والتعلم النموذجي: 

أصبحت الدورات القصيرة المركزة التي توفر مهارات محددة أكثر شيوعاً، ويمكن تكديسها مع مرور الوقت لبناء خبرة شاملة.

التعلم مدى الحياة: يعتبر التعلم المستمر طوال الحياة المهنية أمراً ضرورياً، حيث يعمل العديد من المؤسسات والمنظمات على تعزيز ثقافة التعلم مدى الحياة.

مستقبل العمل والمهارات

سيتطلب مستقبل العمل كفاءات جديدة، بما فيها مهارات التعاون عن بُعد، والتواصل الرقمي، والإدارة الذاتية. كما تزداد قيمة القدرة على العمل في مجالات مختلفة ودمج المعرفة من مجالات متنوعة. ومع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة، تزداد الحاجة إلى المهارات اللازمة لتطوير هذه التقنيات وإدارتها والعمل جنباً إلى جنب مع بعضها. ويعدّ ضمان إتاحة فرص إعادة بناء المهارات لشرائح السكان جميعها تحدياً كبيراً. ولا يزال قياس الفعالية والعائد على الاستثمار في برامج إعادة بناء المهارات صعباً، لكنه مهم للدعم والتمويل المستمرين.

أمثلة على البرامج الناجحة

تشهد منطقة الشرق الأوسط مبادرات واعدة تهدف إلى سد فجوة المهارات بين شبابها، ومن هذه المبادرات برنامج “طلاقة” الذي أطلقته مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم وشركة إنغليس (Englease). يهدف برنامج اللغة الإنجليزية للأعمال، المصمَّم خصيصاً للشباب، إلى تزويد المشاركين بالأدوات والمهارات والثقة التي يحتاجونها للنجاح في عالم تنافسي والتفوق في بيئة الأعمال العالمية التنافسية. يركز برنامج طلاقة على مهارات التواصل الأساسية للأعمال المصمَّمة لتلبية متطلبات سوق العمل، ومعالجة الثغرات الحرجة في المهارية، والإسهام في التنمية المستدامة لقوى العمل في المنطقة.

ختاما، يشكل التصدي لنقص المهارات والبطالة والبطالة بين الشباب تحدياً معقداً يتطلب نهجاً متعدد الأوجه. فمن خلال مواءمة التعليم مع احتياجات السوق، وتعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في التعلم مدى الحياة، ودعم ريادة الأعمال، والاستفادة من التكنولوجيا يمكننا بناء قوة عاملة جاهزة للمستقبل. ولن تعزز هذه الاستراتيجيات القدرة التنافسية فحسب، بل ستخلق أيضاً فرصا اقتصادية مستدامة للأفراد والمجتمعات في أنحاء العالم كافة.

content
Attend our FREE Webinar in 60 Minutes

Your information is secure and encrypted

Related articles

Change Your Professional Path Today Signup For FREE Webinar

Start Learning english today and take serious steps in your job path

Your information is secure and encrypted